الشيخ الصفار يؤكد أن استثمار الاختلاف ضرورة وطنية للتنمية

دعا الشيخ حسن الصفار إلى تبني رؤية وطنية جديدة تتجاوز منطق "إدارة الاختلاف" التقليدي، وتنتقل به إلى مرحلة متقدمة من "استثمار" هذا التنوع ليكون رافعة للتعاون والتنمية.
وأكد أن القوى المجتمعية، ممثلة في العلماء والمثقفين والمفكرين، تملك القدرة على قيادة هذا التحول وتجاوز كافة التحديات.
جاءت هذه الدعوة خلال أمسية فكرية استضافها "بيت الحكمة" في العاصمة البحرينية المنامة مساء يوم الثلاثاء، بمنزل الكاتب عبيدلي العبيدلي، وأدار حوارها رئيس مجلس إدارة مؤسسة البلاد الإعلامية، عبدالنبي الشعلة، وسط حضور نخبوي من المثقفين والمفكرين.
وأوضح الشيخ الصفار أن الحالة الدينية ليست معزولة عن محيطها، بل هي جزء لا يتجزأ من الحالة العامة للمجتمع، تتأثر بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية وتؤثر فيها.
وشدد على أن أي انحراف في الخطاب الديني عن مسار الاعتدال لا يعكس خللاً في جوهر الدين، الذي ينسجم بطبيعته مع الفطرة والعقل، وإنما يمثل مسؤولية مجتمعية تستدعي التصويب وتوجيه المسار نحو الوسطية.
واستعاد الشيخ الصفار قصة كتابه "القلق من الآخر"، الذي استلهم محتواه من محاضرة ألقاها في منتدى "أحدية الدكتور راشد المبارك" بالرياض عام 2011.
ووصف تلك التجربة بأنها كانت علامة فارقة في زمن هيمنت فيه التيارات المتشددة، حيث شكل الإصرار على عقدها رسالة مبكرة بأن الحوار المثمر ممكن، وأن الرأي الفردي يكتسب صوابه ونضجه من خلال الاحتكاك بالآراء الأخرى.
وانتقد الشيخ الصفار بشدة الصور النمطية المتبادلة بين المكونات المجتمعية، معتبرًا أنها غالبًا ما تُبنى على مصادر غير موضوعية أو ترتكز على إرث تاريخي من الصراعات.
ودعا إلى ضرورة تفكيك هذه الصور من خلال المعرفة المباشرة، بحيث يقرأ كل طرف الآخر من مصادره الأصيلة، لا كما يصوره خصومه، مؤكدًا أن هذا النهج يكسر قوالب التعميم الجاهزة ويكشف عن التنوع الثري داخل كل مدرسة فكرية.
واعتبر أن وجود "الآخر" المختلف هو حقيقة كونية وإرادة إلهية، مستشهدًا بالنص القرآني الكريم، وأن محاولة إلغاء هذا الاختلاف تصادم مع طبيعة الحياة.
ورأى أنه رغم التحولات الإيجابية التي شهدتها المنطقة وأسهمت في تقليص خطاب التشدد، إلا أن رواسب الأفكار المسبقة ما تزال تتطلب جهدًا تربويًا وإعلاميًا ودينيًا مكثفًا لترسيخ ثقافة الاعتراف المتبادل.
وأكد الشيخ الصفار أن قبول الآخر ليس مجرد "ترف خطابي"، بل هو ضرورة دينية ووطنية وأخلاقية لا غنى عنها لضمان السلم الأهلي، وتحصين المجتمع ضد نزعات الاستقطاب المدمرة.
وخلال إجابته على مداخلات الحضور، شبه ظاهرة التطرف بالمرض، موضحًا أن وجود المؤسسات الدينية والإصلاحية لا يعني القضاء التام على الشر، تمامًا كوجود المستشفيات الذي لا ينهي الأمراض، لكنه يفرض على دعاة الخير مضاعفة جهودهم ورفع مستوى أدائهم لمواجهة تحديات الواقع.
وكانت الأمسية قد افتُتحت بكلمة من الكاتب عبيدلي العبيدلي، الذي رحب بالشيخ الصفار واصفًا إياه بأنه شخصية "دفعت ثمنًا غاليًا لكونه ضد الطائفية وهو من القلائل الذين تجاوزوا الطائفة فكرًا ودينًا ومذهبًا"، مشيرًا إلى أنه مرجع ثقافي ألف أكثر من 150 كتابًا وبحثًا، وعُرف بدعوته المستمرة لقبول الآخر.
من جانبه، أشار مدير اللقاء عبدالنبي الشعلة إلى صعوبة تقديم قامة فكرية بحجم الشيخ الصفار، وقال: "إننا أمام شخصية كبيرة، تجاوز أثرها حدود المملكة العربية السعودية ليصل صداها إلى العالم الإسلامي والعربي".
ونوه الشعلة بجهود ضيفه في التقريب بين المذاهب، معتبرًا أن كتابه "القلق من الآخر" يعكس بوضوح فكره الداعي لفهم الاختلاف كعنصر طبيعي في الحياة.
واختتم الشعلة حديثه بالتأكيد على أن التعايش هو أساس التنمية، مستشهدًا بنهج المملكة العربية السعودية في "رؤية 2030"، ومؤكدًا أن "التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر التكاتف والالتفاف الوطني والعمل الجماعي في هذا الاتجاه".