“بيت الحكمة” يستعرض أبعاد كتاب “القلق من الآخر” ويفتح باب النقاش

الشيخ الصفار: تحولات المنطقة قلصت خطاب التشدد لكن بقايا الانفعالات تتطلب جهدًا

جريدة البلاد البحرينية سعيد محمد سعيد - تصوير: سيد علي حسن
الشعلة:
  • رؤية السعودية 2030 أثبتت أن التنمية ترتكز على التكاتف والالتفاف الوطني 
  • كتاب “القلق من الآخر” يعكس الدعوة لفهم الاختلاف والتعامل معه
  • الشيخ الصفّار شخصية مؤثرة تتجاوز حدود السعودية للعالم الإسلامي والعربي
  • التعايش والتسامح أساس التنمية الوطنية 
الشيخ الصفار:
  • ألفت كتابي “القلق من الآخر” استنادا إلى محاضرة ألقيتها قبل 13 عاما
  • الحوار ممكن ومثمر رغم الانغلاق والاعتراض
  • ثلاثة محاور أساسية للكتاب: العلاقات البينية والقلق والحلول الوطنية
العبيدلي:
  • الشيخ الصفار دفع ثمنًا غاليًا لمواقفه ضد الطائفية
  • إمام وخطيب ومرجع ثقافي ألّف أكثر من 150 كتابًا وبحثًا
  • الدعوة إلى قبول الآخر محور فكره الديني والسياسي

وصف الشيخ حسن بن موسى الصفار، وهو أحد أبرز علماء الدين والمفكرين بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية المجتمع البحريني بأنه “يمثل نموذجًا إيجابيًا في الانسجام والتماسك والاستقرار، ويعطي أملًا أكبر في هذا الاتجاه”.

 إدارة الخلاف واستثماره

وقال الصفار خلال الأمسية الفكرية التي أقيمت مساء الثلاثاء ضمن جلسات بيت الحكمة في منزل الكاتب عبيدلي العبيدلي، وأدارها رئيس مجلس إدارة مؤسسة البلاد الإعلامية عبدالنبي الشعلة بأن تجاوز كل التحديات التي تتجاوز منطق “إدارة الاختلاف” إلى “استثمار” في التعاون والتنمية  ممكن بفضل القوى المجتمعية من علماء ومثقفين ومفكرين.

 دفع ثمنًا غاليًا

وافتُتحت الأمسية بتعريف موجز بسيرة الشيخ الصفّار للكاتب العبيدلي باعتباره إمامًا وخطيبًا في القطيف ومرجعًا ثقافيًا ألّف أكثر من 150 كتابًا وبحثًا، وشخصية عرفت بالدعوة المستمرة لقبول الآخر كمبدأ راق وحاكم للفكر الديني والسياسي على السواء، مع الإشارة إلى أنه دفع ثمنًا غاليًا لكونه ضد الطائفية وهو من القلائل الذين تجاوزوا الطائفة فكرًا ودينًا ومذهبًا، علاوة على حضوره الديني والفكري، وتميزه بالدعوة إلى الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، كما اشتهر بمشاركته في الأنشطة الثقافية والاجتماعية والحوارات الوطنية، وبرزت مساهماته الأكاديمية والفكرية على مستوى العالم الإسلامي خاصة في موضوعات الإصلاح الاجتماعي والوحدة الوطنية، وله أدوار قيادية في حراك مجتمعي سلمي ومواقفه المنفتحة الداعية للحوار والتعايش.

 مهمة صعبة وسهلة!

ومن جانبه، استهل مدير اللقاء عبدالنبي الشعلة كلمته مرحّبًا بالحضور من نخبة مثقفي البحرين، مشيرًا إلى أن مهمة تقديم المتحدث ليست بالهيّنة؛ فهي صعبة من جانب، وسهلة من جانب آخر، فهي صعبة لأن الحديث عن قامة فكرية ودينية بحجم الشيخ حسن الصفّار لا يفيه التعريف حقه لما يحمله من حضور بارز محليًا وإقليميًا، وسهلة لأن شخصية الشيخ معروفة لكل الحاضرين بما يحمله من دور بارز في مجتمعه وخارجه.

 وخاطب الشعلة الحضور بالقول :”إننا أمام شخصية كبيرة، تجاوز أثرها حدود المملكة العربية السعودية ليصل صداها إلى العالم الإسلامي والعربي، إذ عُرف الشيخ الصفّار بجهوده المتميزة في التقريب بين المذاهب، وخاصة في ما يتعلق بجناحي الأمة الإسلامية: الشيعة والسنة، إضافة إلى نظرته الأوسع التي تركز على الإنسان والإنسانية”، منوهًا للتطلع إلى كتابه بعنوان “القلق من الآخر”، وهو كتاب - على الرغم من قصر عنوانه - إلا أنه يعكس بوضوح دوره وفكره وجهوده المتمثلة في دعوته إلى فهم الاختلاف والتعامل معه بوصفه عنصرًا طبيعيًا في الحياة الإنسانية.

 قصة “القلق من الآخر”

وبين جنبات ومحطات متعددة في حديثه، توقف الشيخ الصفار عند العلاقة بين الدين والمجتمع، موضحًا أن الحالة الدينية جزء من الحالة العامة، تتأثر بالسياسة والاجتماع والثقافة كما تؤثر فيها، وأن انحراف الحالة الدينية عن الاعتدال لا يعني خطأ الدين، بل مسؤولية المجتمع في توجيه مساره، فالدين منسجم مع الفطرة والعقل، وأن إدراك هذا الانسجام هو الطريق لتعزيز الخطاب الوسطي والاعتدال.

 وفي معرض حديثه عن الرأي الفردي الذي يكتسب صوابه من الاحتكاك بآراء الآخرين وتبادل الخبرات،استعرض الشيخ الصفار قصة كتابه “القلق من الآخر”، والذي يعكس محتوى محاضرة ألقاها قبل نحو 13 عامًا في منتدى أحدية المرحوم الدكتور راشد المبارك بالرياض في 25 سبتمبر 2011م، وهي علامة فكرية بارزة  وملتقى لذوي الرأي من مختلف الاتجاهات والأطياف الثقافية انطلقت منذ عام 1981 في زمن كانت فيه الساحة الثقافية أكثر انغلاقًا وهيمنة للتيارات المتشددة، إلا أن الإصرار على عقد تلك المحاضرة رغم بعض الاعتراض، كان رسالة مبكرة بأن الحوار ممكن ومثمر، واستمرت الأحدية حتى رحيل مؤسسها عام 2015، أما محاور المحاضرة التي وردت في الكتاب فقد تضمنت ثلاثة محاور الأول هو سلامة العلاقات البينية في حياة المجتمع، والثاني حالة القلق والارتياب في العلاقات البينية، والثالث هو استشراف الحلول والمعالجات على الصعيد الوطني.

 ميراث تاريخي “صراعي”

وشدّد الصفّار على أن وجود الآخر حقيقة كونية لا يملك البشر دفعها، مستشهدًا بالنص القرآني “ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين “، معتبرًا أن التصادم مع هذه الإرادة الإلهية يخرِج الحياة عن سياقها الطبيعي، واتجه إلى نقد الصور النمطية المتبادلة بين المذاهب والمدارس، مبينًا أنها غالبًا ما تُبنى على مصادر غير موضوعية أو على ميراث تاريخي صراعي، وتُكرَّس عبر خطاب تعبوي أو انتقائي، داعيًا إلى العودة إلى المعرفة من مصدرها، وقراءة كل مكوّن كما يعرّف نفسه، لا كما يصفه خصومه أو روايات قديمة لا تعبّر عن واقع اليوم، ذلك لأن التعميم على الجماعات يغفل تنوّع المدارس داخل المذهب الواحد، ويحوّل البشر إلى قوالب، مطالبًا بإحلال معرفة دقيقة محل الانطباعات المسبقة.

 مناعة المجتمع

واعتبر الصفّار أن التحوّلات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة أسهمت في تقليص خطاب التشدد، إلا أن بقايا الانفعالات والأفكار المسبقة ما تزال تتطلب جهدًا تربويًا وإعلاميًا ودينيًا لتثبيت ثقافة الاعتراف المتبادل، ولفت إلى أن العلاقة بين المكوّنات في أوطاننا ينبغي أن تتجاوز منطق (إدارة الاختلاف) إلى (استثماره) في التعاون والتنمية، إذ لا يستطيع فرد ولا مجتمع ولا دولة أن تعيش بمعزل عن شركائها في الوطن والإنسانية، وختم بالتأكيد على أن قبول الآخر ليس (ترفًا خطابيًا)، بل ضرورة دينية ووطنية وأخلاقية، تضمن السلم الأهلي وتُعلي مناعة المجتمع أمام الاستقطاب.

 قيمة جهود المكافحة

وفي فقرة المشاركات، ركّزت الأسئلة والمداخلات على آليات ترجمة الأفكار إلى مبادرات تعليمية وإعلامية ومجتمعية، فدعا الصفّار إلى توسيع دوائر الحوار، ومراجعة المناهج، وتشجيع المنابر على خطاب مسؤول يصنع الثقة ويُطفئ الحرائق بدل إذكائها، وفي إجابته عن تساؤلات متكررة حول دور الإصلاح والخطاب الديني في مواجهة مظاهر التشدد والتطرف، شبّه الصفّار الظاهرة بالمرض بقوله :”إن وجود وزارات صحة ومستشفيات وأطباء لا يعني أن الأمراض انتهت، وكذلك الأمر مع الجهود الأخلاقية والدينية، فطبيعة الحياة صراع مستمر بين الخير والشر”، موضحًا أن وجود الشر لا يلغي قيمة الجهود المبذولة لمكافحته، لكنه يفرض على المتطلعين للخير أن يرفعوا مستوى أدائهم ونشاطهم كلما تقدم الشر.

 ختام الشعلة: الالتفاف الوطني

وختم مدير اللقاء الشعلة حديثه بالتأكيد على أن التعايش والتسامح يمثلان أساسًا للتنمية الوطنية، مستشهدًا بالمملكة العربية السعودية كمثال على هذا النهج الذي تجسّد ضمن مسار “رؤية 2030”، مؤكدًا أن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر التكاتف والالتفاف الوطني والعمل الجماعي في هذا الاتجاه.

صحيفة البلاد

بيت الحكمة صحيفة البلادبيت الحكمة صحيفة البلادبيت الحكمة صحيفة البلادبيت الحكمة صحيفة البلادبيت الحكمة صحيفة البلادبيت الحكمة صحيفة البلاد